وجه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، رسالة سامية بمناسبة حفل افتتاح الدورة الحادية والثمانين للأسبوع الأخضر الدولي لمدينة برلين.
وفي ما يلي النص الكامل للرسالة الملكية السامية التي تلتها، مساء اليوم الخميس ببرلين، صاحبة السمو الملكي الأميرة للا مريم.
” الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
السيد المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة،
السيدات والسادة الوزراء،
السيد عمدة مدينة برلين،
السيد رئيس الفدرالية الألمانية للصناعات الغذائية،
السيد الرئيس المدير العام لمعرض برلين،
حضرات السيدات والسادة،
لقد أصبح الأسبوع الأخضر الدولي لمدينة برلين من أكثر المواعد تميزا وأهمية، نظرا لما يوفره لزواره من متعة متجددة وإبهار، وما يمنحهم من فرص اكتشاف مختلف المهارات والتقاليد.
فهو يشكل ملتقى فريدا من نوعه ، لتثمين عمل العاملين في قطاعي الفلاحة والتغذية، من نساء ورجال، وتقدير جهودهم حق قدرها.
كما أنه موعد متميز للفلاحين والقائمين على التعاونيات في المغرب، حيث يمنحهم فرصة ثمينة لعقد لقاءات مباشرة ومفيدة مع المستهلك الألماني.
وهو كذلك مناسبة فريدة للاطلاع على دينامية الاقتصاد الألماني ، الذي صار نموذجا للازدهار، وأبان عن قدرته على الابتكار والتكيف مع التطورات والتغيرات العالمية.
ومن هذا المنطلق، فإن المغرب يسجل بكل ارتياح، ويقدر كل التقدير، شرف اختياره ” بلدا شريكا ” للدورة الحادية والثمانين للأسبوع الأخضر الدولي لمدينة برلين. كما يسعده المشاركة بجناح في مستوى الحدث، وببرنامج حافل بالأنشطة، يتيح للزائر اكتشاف بلادنا، والاطلاع على قطاعها الفلاحي.
وتعكس هذه الدورة من معرض برلين مدى حيوية الشراكة التي تربط بين المملكة المغربية وجمهورية ألمانيا الفدرالية، في مجالي الفلاحة والاقتصاد الأخضر، وذلك احتفاء بالعلاقات العريقة والمتميزة التي تجمع بين البلدين.
ومن هنا، فإن مشاركة المغرب في هذه الدورة، تندرج في إطار تعميق وتعزيز التعاون الشامل بين البلدين في مختلف المجالات، في ظل دينامية التقارب المتزايد بين الأمم والاقتصادات والمجتمعات.
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
بعد عشرة أشهر من اليوم، ستحتضن مدينة مراكش الدورة 22 لمؤتمر الأمم المتحدة حول التغيرات المناخية. وما تنظيم هذا الحدث العالمي على أرض إفريقية، إلا دليل على مدى التزام المغرب بالقضايا الدولية ذات الأولوية، المرتبطة بالأمن الغذائي والتنمية المستدامة والتغيرات المناخية.
إن الاستراتيجية الفلاحية للمغرب تسعى لتحقيق الاستدامة، ليس فقط على المستوى البيئي، بل أيضا على مستوى الظروف المعيشية للسكان القرويين.
وفي هذا الصدد، أطلقت المملكة سنة 2008 مخطط المغرب الأخضر، الذي يعد من المشاريع الكبرى، التي تخدم التنمية المستدامة في القطاع الفلاحي، في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
وها هو المغرب اليوم، يجني أولى ثمار هذا المخطط، حيث ارتفع الناتج الداخلي الخام في القطاع الفلاحي بمعدل 44 في المائة بين سنتي 2008 و2014 .
ويعتمد هذا المخطط على ثلاثة ركائز أساسية ملموسة :
أولا : ” الفلاحة التضامنية ” التي تمكن من إطلاق مشاريع مندمجة، وخلق قنوات تسويق عادلة، لفائدة صغار المنتجين، حيث تم إنجاز أكثر من 540 مشروعا، وتحقيق زيادة ملموسة في المداخيل. ويعد الأركان والزعفران والصبار من المنتجات النموذجية، التي تجسد ترسيخ مفهوم الفلاحة التضامنية، علاوة على النجاح العالمي، الذي باتت تحققه تجارتها.
ثانيا : التحكم في الموارد المائية، والذي يعد أساسيا بالنسبة لبلد كالمغرب، حيث تم إطلاق برنامجين هامين لترشيد استغلال الموارد المائية في القطاع الفلاحي، وهما البرنامج الوطني لاقتصاد مياه الري، وبرنامج توسيع شبكة الري المرتبطة بالسدود.
ثالثا وأخيرا : غرس الأشجار، حيث تم تحويل مليون هكتار لزراعة الأشجار المثمرة وأشجار الزيتون. وقد فاقت المساحة المخصصة لأشجار الزيتون اليوم مليون هكتار، بينما سيتم غرس ثلاثة ملايين نخلة تمر في أفق سنة 2020.
وتحظى كل هذه المشاريع بدعم وثقة الشركاء والمانحين الدوليين، ومن بينهم صندوق البيئة العالمية.
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
لقد حرص المغرب على الدوام، على أن يظل أرضا لاستقبال الاستثمارات، التي تعد محركا للاقتصاد، وعاملا على تحفيز خلق الثروات والشغل.
وبشكل عام، فإن الاقتصاد المغربي يعتمد على أسس صلبة، ويعرف نموا مطردا.
كما يتميز اقتصاد المغرب وتجارته بانفتاحهما على العالم، بفضل مجموعة من اتفاقيات التبادل الحر، التي تفتح أمامهما سوقا تتجاوز مليار مستهلك.
أما مناخ الأعمال في المغرب فهو في تحسن مستمر، حيث كسبت المملكة 36 نقطة بن عامي 2012 و2015 في ترتيب مؤشر ممارسة الأعمال الذي يصدره البنك الدولي.
وبفضل علاقاته المتميزة مع بلدان الجوار جنوب الصحراء، خاصة مع بلدان غرب إفريقيا، يشكل المغرب بوابة للالتحاق بقاطرة النمو الإفريقي بالنسبة للفاعلين الاقتصاديين المعنيين.
أما في قطاعي الفلاحة والتغذية، فهذه الامتيازات تعززها إجراءات تحفيزية خاصة، وتحظى بمواكبة ومشورة وكالة التنمية الفلاحية، علاوة على مجموعة من التدابير الجذابة، سواء تعلق الأمر بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، أو بتعبئة العقار وخلق أنظمة بيئية خاصة بالصناعات الفلاحية والتحويلية.
وتتجلى دينامية هذا القطاع كذلك، من خلال النجاح المتنامي الذي يحققه المعرض الدولي للفلاحة بمكناس، الذي استقبل خلال دورة 2015 أزيد من مليون زائر، قدموا من أكثر من 60 بلدا، للقاء ما يفوق ألف عارض مغربي.
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
” إن المغرب شجرة جذورها في إفريقيا وأغصانها في أوروبا “. هكذا كان والدنا المنعم، جلالة الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراه، يصف الموقع المتميز للمغرب كحلقة وصل بين القارتين.
كما أن المغرب يتميز بتعدد روافده الثقافية، ويعتز بتقاليده. وهو في نفس الوقت بلد منفتح على حضارة عصره وعلى التقدم التكنولوجي.
وتظل الفلاحة عماد رأسماله المادي واللامادي، كثمرة لتشبثه العريق بالأرض، وبتدبير مواردها بحكمة، وبجودة منتوجها واستدامتها.
وبفضل مخزونه المائي، والتنوع الاستثنائي لطبيعته، فهو يشكل أرضا زراعية متميزة، على أبواب أكبر سوق استهلاكية في العالم.
وما صادرات المغرب من الخضر والفواكه نحو كل أرجاء المعمور، إلا دليل على غنى إمكاناته الفلاحية، فهو اليوم رابع مصدر عالمي للكليمنتين، وأول مصدر للفاصوليا الخضراء، وثالث مصدر لمعلبات الزيتون، وخامس مصدر للفراولة.
كل هذه النتائج تعد بغد أفضل، خاصة في ظل نجاح الأداء التجاري لقطاعنا الفلاحي، في مواكبة التطور الكبير والمسؤول، الذي يعرفه قطاع المنتوجات الأصيلة والفلاحة العائلية.
ويطيب لي أن أدعوكم لزيارة جناح المغرب، ابتداء من يوم غد، واكتشاف فضاءاته المتخصصة، التي تعكس أربعة جوانب من الإمكانات الهائلة التي تزخر بها المملكة. أشكركم على حسن الإصغاء.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. “