"الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
صاحب الفخامة،
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
أصحاب المعالي والسعادة ، حضرات السيدات والسادة،
انه لمن دواعي اعتزازي أن أتوجه بهذا الخطاب الى هذه القمة، التي تجسد الصداقة الراسخة الافريقية الاسيوية، والتي ستمهد السبيل أمام توطيد التعاون بين قارتين، تتقاسمان التشبث بقيم الحرية والتنمية والتضامن والتقدم.
وأود، في البداية،أن أعبر لاندونيسيا الشقيقة، رئيسا وحكومة وشعبا، عن جزيل الشكر لجهودها، من أجل انجاح هذا المؤتمر الهام الذي نعتبر انعقاده، في أعقاب النكبة التي حلت بالشعب الاندونيسي، وبالبلدان الشقيقة للمنطقة، تجديدا للتضامن معها، ودعما لما تقوم به من أجل تجاوز آثار هذه المحنة القاسية، واعادة اعمار المناطق المنكوبة، بكل ثقة وأمل.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي،
إن التئام هذه القمة اليوم، لاطلاق استراتيجية شراكة أفرو-أسيوية يشكل حدثا كبيرا. كما يجسد ما يحذونا جميعا من ارادة سياسية قوية، ليس فقط لاعطاء دفعة جديدة لمبادئ باندونغ، ولكن أيضا لارساء علاقاتنا المستقبلية على معطيات جديدة، فيما يخص التضامن والتعاون، من أجل الرخاء المشترك.
واذا كنا بالامس قد خضنا معركة مشتركة وناجحة للتحرر السياسي من الاستعمار والقيام بدور معتدل طوال فترة الحرب البارة فان الطموح يحذونا اليوم، الى أن نوحد قوانا، لرفع تحديات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وذلك بتسخيرنا لطاقاتنا الاقتصادية ومواردنا البشرية، لصالح هذا المشروع الكبير، المتمثل في الاستراتيجية الجديدة للشراكة الافرو- أسيوية.
وفي هذا الصدد، فان المغرب سبق له أن قدم في ملتقى دوربان، بعد تحليله للعلاقات الاقتصادية في افريقيا وآسيا، مساهمة تشخص العوائق التي يجب التغلب عليها. كما صاغ في هذا الشأن توصيات، من أجل انطلاقة شراكة أفرو-أسيوية على أسس متينة.
لذا يتعين على مجموعتنا أن تعتمد اطارا مؤسسيا يقوم على أركان الارادة السياسية الوطيدة، وانخراط القطاع الخاص، واشراك المجتمع المدني، وتعزيز الاندماج الاقليمي، فضلا عن تسخير الاعلام لتمتين أواصر الصداقة بين القارتين.
وما انعقاد هذه القمة الا دليل على حرصنا السياسي على العمل لاخراج هذه الاستراتيجية الى حيز الوجود.
وفيما يخص القطاع الخاص، فان دوره أساسي في كل تعاون اقتصادي ناجح، لاسيما وقد أصبح دور الدولة، في السياق الجديد، ينحصر في مسؤولية التقنين والتنظيم. وكما أثبتته التجارب التنموية الناجحة، فان القطاع الخاص، اذ يضطلع بدور الرافعة الاساسية في كل مشروع تنموي، فانه يشكل وسيطا لتنشيط حركة التبادل والاستثمار بين القارتين.
وفي هذا الصدد يتعين وضع اطار قانوني مناسب ينبني على اتفاقيات مشجعة للاستثمار كفيلة بحمايته، وملغية للازدواجية الضريبية، باعتبار ذلك يوفر المناخ المحفز على ترسيخ شراكة اقتصادية أفرو- آسيوية واعدة.
ان دور الاندماج الاقليمي في تشجيع مسلسل التبادل والتكامل الاقتصادي بين القارتين أساسي، لاسيما وأن الظرفية الدولية، تحتم تشكيل تجمعات اقليمية قوية، كفيلة برفع تحديات العولمة.
وفي هذا الاطار، فان اقامة تعاون مدعوم ومهيكل بين المجموعات الاقليمية للقارتين من شأنه أن يسهم ليس فحسب في تحفيز المبادلات التجارية والاستثمار بين الطرفين ولكن أيضا في بروز أقطاب اقتصادية كبرى ذات قدرات تنافسية كفيلة بأن تصبح قوى فاعلة للاقتراح والتفاوض على الصعيد الدولي.
وفي هذا الصدد، فإن المغرب يعرب مجددا عن استعداده للعمل الوثيق، إن على المستوى الثنائي، أو على الصعيد المغاربي، للبناء العتيد لتكتلنا الإقليمي، المنفتح على البلدان الشقيقة للساحل ولشمال غرب إفريقيا، التي تجمعنا بها أواصر حضارية عريقة، وتحديات وطموحات مشتركة.
وفي هذا السياق، فقد عمل المغرب على تجسيد تضامنه على أرض الواقع، مع البلدان الشقيقة والصديقة في قارتنا، من خلال القيام باعمال ملموسة مبادرا الى الغاء جميع الديون المستحقة له على الدول الافريقية الاقل نموا ورفع الحواجز الجمركية المفروضة على المنتجات الواردة من هذه البلدان لتشجيع ولوجها إلى السوق المغربية.
كما أن المملكة المغربية، لم تدخر جهدا في تسخير ما تتوفر عليه من إمكانات وخبرات لتنفيذ برامج التنمية البشرية المستدامة، في مجالات متعددة ، كالفلاحة وتدبير الموارد المائية، والصحة وتكوين الأطر.
وإن التزام المغرب بهذا التوجه، ليكتسي أهمية كبرى لكونه يندرج في إطار انخراطه القوي في تفعيل مبادرة "النيباد"، وهي المبادرة التي حصلت على دعم المجتمع الدولي، بما في ذلك شركاؤنا الآسيويون.
ولهذا الغرض ستعزز الشراكة الجديدة لتنمية افريقيا بشكل قوي حظوظ نجاح الشراكة الافريقية الاسيوية، ذلك أن تفعيلها سيعمل لا محالة على تعزيز قدرات البلدان الافريقية، وتمكينها من تحسين مساهمتها في التعاون بين القارتين.
وفي ما يخص آليات تطبيق الشراكة الجديدة الأفرو-آسيوية، فإن المغرب ينخرط بشكل تام في الاقتراح الداعي إلى عقد مؤتمر قمة كل أربع سنوات، ومؤتمر وزاري كل سنتين، من أجل تمكيننا من تتبع، وبشكل منتظم، هذه الشراكة الواعدة، التي تنطلق اليوم بجاكرتا.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي،
إن استراتيجية الشراكة الأفرو-آسيوية لا يمكن إعطاؤها ديناميتها المنشودة بغير البعد الثقافي الذي تتميز به قارتان تتوفران على أغنى رصيد انساني في هذا المجال وهو ما يقتضى ضرورة انفتاح شعوبنا على تنوعه وتعدديته لتحقيق تقارب في ما بينها. فمن الضروري اذن التركيز في هذا الصدد على دور وسائل الإعلام، ليس فقط في التعريف والتقريب بين شعوبنا، والتبادل الثقافي فيما بينها، ولكن أيضا في تحقيق انخراطها التلقائي في إنجاز الاستراتيجية الجديدة، بل ومد إشعاعها على المستوى العالمي.
إن المغرب، الذي شارك بفعالية في مسلسل وضع الشراكة الجديدة الإفريقية الآسيوية، التي تم إطلاقها في إطار مؤتمر المنظمات الإقليمية الآسيوية الإفريقية، تحذوه إرادة قوية، للمساهمة بشكل كامل في إنجاح هذه المبادرة الهامة والجديدة.
وانه ليحرص بهذه المناسبة ان يعبر عن تحية اجلال واكبار لمؤسسي عملنا المشترك الذين وضعوا سنة 1955 اللبنات الاولى لهذا التضامن الذي يجمعنا والذي تمكنا بفضله، من تحقيق إنجازات ملموسة خلال الخمسين سنة الماضية، في ما يرتبط بالتحرير السياسي لشعوبنا وتمكين قارتينا معا من التموقع على الساحة الدولية.
وختاما، فإننا نعرب لمنظمي هذه القمة الهامة، عن جزيل شكرنا، وخاصة للحكومة الأندونيسية الموقرة، وشعبها الشقيق الذي تجمعنا به روابط الأخوة الإسلامية الراسخة.
شكرا لكم على إصغائكم .
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".