"الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
شعبي العزيز،رعايانا الأوفياء سكان أقاليمنا الجنوبية العزيزة، إنه لمن دواعي اعتزازنا، أن نجدد اللقاء بأبناء هذه الربوع الغالية من وطننا العزيز.
هذا اللقاء الذي يزيد من مشاعر ابتهاجنا فيه، أن نتولى اليوم، بمدينة العيون الأصيلة، تعيين المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية.
وبذلكم نضع لبنة نعتبرها أساسية، في ترسيخ ثقافة التشاور، وفسح المجال الواسع أمام مواطنينا، للمساهمة باقتراحاتهم العملية، في كل القضايا المتصلة بوحدتنا الترابية، وبالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للأقاليم الجنوبية العزيزة علينا.
وانطلاقا من تجربة المجلس في هيأته الأولى، فقد قررنا أن نضفي على مجلسكم، بتركيبته الجديدة، الدينامية اللازمة، بما خولناه من اختصاصات، وبوأناه من مكانة متميزة، ليساهم إلى جانب السلطات العمومية، والمؤسسات المنتخبة، في الدفاع عن مغربية الصحراء، والتعبير عن التطلعات المشروعة لمواطنينا الأعزاء.
وحرصاً منا على تمكين المجلس من المصداقية والفعالية والتمثيلية، فقد سهرنا على تشكيله من أعيان القبائل والمنتخبين، المشهود لهم بالوطنية الصادقة وحصافة الرأي.
كما عملنا على أن يكون المجلس منفتحا على فعاليات المجتمع المدني، والقوى الحية، الواعدة بالعطاء والإنتاج، وخاصة منهم النساء والشباب، الذين هم محل رعايتنا السامية.
وإننا لننتظر من كل مكونات المجلس، أن تنصهر في عمل جماعي متكامل، من شأنه تحصين المكتسبات، التي حققتها بلادنا، في مجال تعزيز الوحدة الوطنية والترابية ، داعين الحكومة، وكافة السلطات والمؤسسات للتعاون مع هيأتكم، للنهوض بمهامها على الوجه الأمثل.
كما نريد منكم أن تجعلوا منه مؤسسة فاعلة في تنمية الأقاليم الجنوبية، وآلية ناجعة في تعبئة المواطنين وتأطيرهم، وكذا قوة اقتراحية، منبعثة من عبقرية أبناء الصحراء الأشاوس.
كما نحثكم على اقتراح كل المبادرات، الكفيلة بعودة واندماج مواطنينا المحتجزين بمخيمات تيندوف، في وطنهم الغفور الرحيم، الذي يضمن لهم الكرامة والحرية، الضروريتين للمساهمة في مواصلة بناء المغرب، القوي بوحدته وديمقراطيته.
وفي نفس السياق، ندعوكم أن تكونوا، بالنظر إلى ما تتحلون به من خصال الغيرة الوطنية، والوفاء لثوابت المملكة ومقدساتها، خير معبر عن مواقف إخوانكم لدى المحافل والهيئات الدولية، للتعريف بعدالة قضية وحدتنا الترابية ، وكذا إبراز ما حققته بلادنا من إنجازات وإصلاحات، على درب التنمية البشرية المستدامة والتطور الديمقراطي.
شعبي العزيز،تعرف قضيتنا الأولى تطورات ومستجدات، على الصعيد الدولي، منذ أن تأكدت للأمم المتحدة استحالة تطبيق مخطط التسوية الأممي ، وبدلا من ذلك، برزت ضرورة حل سياسي متفاوض بشأنه، ومقبول من جميع الأطراف.
وتجاوبا مع هذا التوجه، الذي يحظى بتأييد المجتمع الدولي والأمم المتحدة، ما فتئت بلادنا تبدي استعدادها لإيجاد حل سياسي، يضمن لسكان المنطقة تدبير شؤونهم الجهوية ، وذلكم في إطار السيادة الوطنية والترابية، غير القابلة للتصرف، كتسوية عادلة للنزاع المفتعل في المنطقة، وكمساهمة في بناء مغرب عربي يعمه التعاون والازدهار، وفضاء جهوي يسوده السلم والاستقرار.
كما أن هذا التوجه يندرج في إطار جهودنا الحثيثة، منذ اعتلائنا عرش أسلافنا الميامين، لإقرار حكامة جيدة، تقوم على توسيع مجال المشاركة في تدبير الشأن المحلي، وانبثاق نخب جديدة، قادرة على تحمل المسؤولية، وتوفير الوسائل القانونية، والإمكانات المادية الضرورية، لتحقيق هذه الغايات، خدمة لمصالح المواطن، وحفظا لكرامته، وضمانا للصالح العام.
وسيرا على نهجنا في التشاور مع كل القوى الحية، وتعميقا للممارسة الديمقراطية التي ارتضيناها دون رجعة، أعلنا في خطابنا بمناسبة الذكرى الثلاثين، لانطلاق المسيرة الخضراء المظفرة، عن قرارنا بإجراء استشارات واسعة للأحزاب السياسية ، وكذا لأبناء المنطقة المعنيين ،وذلكم بخصوص الاقتراح الذي تعتزم بلادنا تقديمه، في موضوع نظام الحكم الذاتي لأقاليمنا الجنوبية، كحل نهائي للنزاع المفتعل حول مغربية صحرائنا.
وإذا كانت استشارة الأحزاب السياسية قد قطعت أشواطا هامة، فإننا ندعو رعايانا الأوفياء، أبناء الأقاليم الجنوبية، للانكباب على التفكير الجاد والعميق، بخصوص تصوراتهم لمشروع نظام حكم ذاتي، في إطار سيادة المملكة، ووحدتها الوطنية والترابية.
وإننا لواثقون أن هذه الاستشارة الديمقراطية المزدوجة، على الصعيدين الوطني والمحلي، حول موضوع حيوي بالنسبة للشعب المغربي، في جو من الإجماع والتعبئة، لمن شأنها أن تفضي، في أنسب الآجال، إلى بلورة منظور وطني متجانس وواقعي، لحكم ذاتي يضمن لجميع سكان الصحراء، إمكانية تدبير شؤونهم الجهوية، في ظل الديمقراطية وسيادة القانون.
وإننا لنؤكد لكم أنكم ستجدون في خديم المغرب الأول، بصفتنا الضامن لوحدة الأمة وسيادتها، الأذن الصاغية لآرائكم ومقترحاتكم، والساهر على توفير كل الشروط والوسائل الكفيلة بجعلكم تنهضون بمهامكم، على الوجه الأكمل.
والله تعالى نسأل أن يوفقكم، ويسدد خطاكم في خدمة المصالح العليا لوطننا العزيز.
وفي الختام، نوجه تحية تقدير وتنويه لقواتنا المسلحة، من جيش ودرك ملكي، وكذا للأمن الوطني والقوات المساعدة، وإلى كافة السلطات المحلية، لشجاعتها ورباطة جأشها، وتجندها الدائم، تحت القيادة العليا لجلالتنا، للدفاع عن حوزة الوطن وأمنه واستقراره مؤكدين أننا لن نفرط في شبر من صحرائنا العزيزة، بل ولا في حبة من رمالها، وفي ذلكم خير وفاء لميثاق البيعة المتبادلة، بين العرش والشعب، وللقسم الخالد للمسيرة الخضراء المظفرة.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ".