"الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه،
حضرات السيدات والسادة البرلمانيين المحترمين،
نفتتح بعون الله وتوفيقه، الولاية التشريعية الثامنة، التي لا نعتبرها جديدة فقط بانتخاب مجلس النواب، بكامل الشفافية والحرية. ولكن أيضا في جوهرها. وذلكم اعتبارا لما ننتظره خلالها، من مواصلة تغيير مناهج وبرامج العمل البرلماني والحكومي، غايتنا تعزيز مصالحة المواطن مع المجالس المنتخبة، بجعلها رافعة قوية للتنمية والديمقراطية.
ونتوجه بالتهنئة لأعضاء مجلسكم الموقر، مؤكدين تقديرنا للأحزاب الجادة، ومن خلالها للمواطنين، الذين لم تكن مشاركتهم المواطنة في الانتخاب، بروح التنافسية والثقة، في مسارنا السياسي المتقدم، لتنحصر في يوم الاقتراع فقط، وإنما ينبغي أن تكون تجسيدا للتعبئة الدائمة، ولإعادة الاعتبار لنضالية العمل السياسي، من قبل كل الفاعلين.
ولن يتأتى ذلك، إلا بالقطيعة مع البؤس، سياسة وواقعا. فالسياسة بمعناها النبيل، ليست مجرد حملة انتخابية، أو وصلة إشهارية، بل هي فن الممكن بين الحاجيات والإمكانات، والتوعية الدائمة للشعب، والعمل التنموي الميداني، الكفيل بإيجاد حلول ملموسة لمعادلتها الصعبة. فالفرق بين الواقع والأمل، هو العمل، ثم العمل، ثم العمل. الذي جعله الله مقدما على العبادة.
كما أن النيابة عن الأمة ليست امتيازا، أو ريع مركز، أو حصانة لمصالح شخصية، بل هي أمانة جسيمة والتزام بالصالح العام.
وتلكم سبيلنا للانخراط الجماعي في البناء الديمقراطي التنموي، الذي نحرص على توسيع فضائه، ليشمل كل القوى الحية للأمة، وفي مقدمتها جاليتنا العزيزة المقيمة بالخارج، التي سنواصل هذا المسار التدريجي، لإدماجها في الحياة الوطنية، بوضع اللبنة الجديدة لإقامة المجلس الأعلى الخاص بها.
واستخلاصا للعبرة وتفعيلها في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، المحلية والجهوية، فإنه يجدر الاستعداد الجيد لها، ليس بالملاسنات الديماغوجية، والحسابات الضيقة، وإنما بالتأهيل السياسي الشامل لكل الفاعلين والمؤسسات والتنظيمات، وخاصة منها الأحزاب السياسية بتجاوزها للملاءمة الشكلية مع إطارها القانوني، إلى التفاعل مع مستجدات المجتمع المغربي ومتغيراته.
وهذا ما يقتضي من الجميع القرب الدائم من المواطن وانشغالاته، بعيدا عن الاغراءات الوهمية والوعود التضليلية، المحرفة لقيم الدين والمواطنة.
ويظل هدفنا الأسمى تأهيل كل الفاعلين، في أفق الإصلاح المؤسسي، الذي يتوخى ترسيخ التطور الديمقراطي والتنموي، بالحكامة الجيدة. وذلك في التزام بمقدسات الأمة وثوابتها.
فعلى الجميع أن ينكب على تحقيق ما هو أهم بالنسبة للمواطن. ألا وهو، بكل بساطة، عيش حر كريم قوامه: وطن موحد. أمن واستقرار. تعليم جيد. تربية صالحة. شغل منتج.
اقتصاد تنافسي. سكن لائق. تغطية صحية. إدارة فعالة ونزيهة. قضاء عادل ومستقل.
كرامة موفورة. ومواطنة كاملة، حقوقا وواجبات.
وإن تلبية هذه المطالب الشعبية التي كانت موضوعا للتنافس الانتخابي، تقتضي تصريفها في ثلاثة توجهات أساسية للعمل الحكومي والبرلماني. وهي قضية مصيرية، ومقومات دولة، وأسبقيات ملحة.
ويعد تحصين الإجماع، حول وحدتنا الترابية، القضية المصيرية الأولى للوطن والأمة، إذ يتعين مواصلة العمل، على حشد المزيد من الدعم لمبادرتنا، المقدامة وذات المصداقية، للحكم الذاتي، بغية الحسم الدولي النهائي، للمنازعة المفتعلة حول مغربية صحرائنا.
ثانيها توطيد ركائز الدولة القوية بسيادة القانون، والحفاظ على الهوية الوطنية، في انفتاح على العصر. فضلا عن دعم الأمن والاستقرار، والتحصين من نوازع التطرف ومخاطر الإرهاب.
وثالثها، التركيز على ثلاث أسبقيات ملحة. وفي مقدمتها، مواصلة الإصلاحات، وتعزيز المكاسب السياسية وحقوق الإنسان، والمشاريع الهيكلية الكبرى، والإدارة الترابية، والسياحة والإسكان، والتوازنات الماكرو-اقتصادية، والإنتاجية والتنافسية، وتحديث القطاعات العمومية، وتحفيز المبادرة الحرة، وتشجيع المقاولة المنتجة، والقطاع الخاص.
وبموازاة ذلك، يتعين إعطاء دفعة قوية، لبعض القطاعات، قصد الرفع من وتيرة إنجازها. وفي صدارتها، كسب الرهان الحيوي، للإصلاح العميق للتربية والتكوين، الذي يتوقف عليه مستقبل الأجيال الحاضرة والصاعدة.
وإننا لندعو الحكومة المقبلة لأن تسارع إلى بلورة مخطط استعجالي، لتعزيز ما تم تحقيقه، وتدارك ما فات، من خلال التفعيل الأمثل لمقتضيات الميثاق، واعتماد الحلول الشجاعة والناجعة للمعضلات الحقيقية لهذا القطاع الحيوي، وذلك بتشاور وتنسيق مع المؤسسة الدستورية التمثيلية، للمجلس الأعلى للتعليم.
كما يتعين ترسيخ الحكامة الجيدة. بالإصلاح الإداري، وتأهيل وتحديث الاقتصاد، للحد من معضلة البطالة، وإيجاد الشغل، مع مواصلة التعبئة حول مبادرتنا الوطنية للتنمية البشرية. لمكافحة الفقر والإقصاء والتهميش.
بيد أن التفعيل الأمثل لهذه الأوراش التنموية، لن يستقيم إلا بالجهوية المتقدمة واللاتمركز الإداري، اللذين نعتبرهما عماد الدولة العصرية.
كما أنه لن يكتمل إلا بإصلاح العدل وتحديثه وتأهيله، دعما لاستقلاله، وللأمن القضائي، ولسيادة القانون والتنمية. وإننا لعازمون على الإعداد التشاوري الواسع والمتخصص، لميثاق وطني مضبوط، للتغيير العميق والشامل للقضاء.
كما يتعين أن تكون من بين الأسبقيات الجديدة، ماأكدناه، من اعتماد سياسة فلاحية وطاقية ومائية جديدة. فضلا عن التنمية الترابية ، الحضرية والقروية.
ويبقى انخراط المواطن، في كل مناحي الحياة العامة، شرط نجاح أي سياسة أو إصلاح.
حضرات السيدات والسادة البرلمانيين المحترمين، لقد ذكرنا برهانات الولاية التشريعية ، نهوضا بالأمانة العظمى الملقاة على عاتقنا، ومن خلال الوقوف الميداني على أحوال شعبنا الأبي، بكل فئاته، وبمختلف جهات المملكة.
ونهوضا بأمانتنا في السهر على حسن سير المؤسسات الدستورية، فمن واجبي التأكيد على أنه بقدر حرصنا على تكوين حكومة متراصة ومنسجمة، مدعومة من قبل أغلبية برلمانية، وتحاسبها معارضة بناءة. فإننا نريد برلمانا أكثر فعالية .
برلمانا يمارس بنجاعة، كافة اختصاصاته التشريعية والرقابية والتمثيلية، يشكل قدوة للمؤسسات الدستورية، في نهوضها بصلاحياتها كاملة، فلا شيء يحول دون ذلك، إلا في نطاق الدستور، وفصل السلط وتوازنها وتعاونها، الذي نحن على تكريسه ساهرون.
برلمانا يساهم في زيادة الإشعاع الدولي للمغرب، مستحضرا كل الاستحقاقات المقبلة، ومنها دخول اتفاقيات التبادل الحر حيز التنفيذ، ورفع تحديات العولمة في انتهاج لدبلوماسية برلمانية محترفة .
إنه البرلمان الذي يستكمل مصالحة كل المواطنين مع المجالس المنتخبة. وهو ما يتطلب إجراء قطيعة مع بعض المظاهر والسلوكات المشينة، التي تسيء لصورة المؤسسة التشريعية، وتمس بمصداقية العمل النيابي والسياسي.
كما ينبغي العمل على تفادي أي خلط في الأدوار، بين ما هو وطني من صميم اختصاص البرلمان، وماهو محلي من صلاحيات الجماعات الترابية. فالبرلمان ليس جماعة محلية.
لذلك أحرص على أن يظل في قمة الصرح الديمقراطي، في انكبابه على السياسات والقضايا الوطنية الكبرى، الداخلية والخارجية.
وبما أنه لا يمكن تصور حياة سياسية ولا نجاعة العمل الحكومي ، بدون معارضة إيجابية ومسؤولة، فإنه يجدر الإصغاء لأفكارها، متى كانت بناءة، ساعية في سبيل صالح الأمة ، شأنها في ذلك شأن الأغلبية.
إن التعارض الحقيقي، الذي علينا مواجهته، هو بين الديمقراطية والتسلط- والتقدم والتخلف- والعمل والتواكل- والانفتاح والانغلاق.
وفي نفس السياق، وكما أكدت ذلك من أعلى هذا المنبر، فإني أدعو للتنسيق والتعاون بين المجلسين، في اتجاه عقلنة وترشيد عملهما باعتبارهما برلمانا واحدا، تتكامل فيه الأدوار، وليس برلمانين مختلفين.
لقد قطع المغرب الكثير من الأشواط، في مساره السياسي المتقدم، وتغلب على العديد من الأزمات والمعضلات. وذلك بفضل قيادتنا الحازمة، ومنهجنا في الحكم، وجهود وتضحيات جميع المغاربة، وانخراطهم في الأوراش التنموية التي أطلقناها. سلاحنا الذي لا يقهر هو الخيار الديمقراطي الذي لا رجعة فيه.
وسأظل، كما عهدتموني، الخديم الأول للشعب المغربي الأبي، الساهر الأمين على ثوابت الأمة ومقدساتها، حريصا على الوقوف الميداني على إنجاز الإصلاحات الهيكلية الكبرى التزاما مني بعهد البيعة المقدسة.
والله تعالى نسأل، في هذه الأجواء الروحانية، لشهر رمضان الفضيل، أن يعينكم، ويسدد على طريق الخير والصالح العام خطاكم، للنهوض بمسؤولياتكم الجسيمة.
فهنيئا لكم ولشعبنا الوفي بعيد الفطرالسعيد، أعاده الله علينا جميعا، ونحن بأماناتنا قائمون ولعهودنا راعون .
"فذكر إنما انت مذكر، لست عليهم بمصيطر".
صدق الله العظيم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".