" الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
شعبي العزيز،
بقلوب مفعمة بالإجلال والاعتزاز، ونفوس ملؤها الثقة والعزم، نحتفي اليوم، بالذكرى الخالدة للحدث التاريخي البطولي لثورة الملك والشعب.
فأما الإجلال، فلجدنا المنعم، جلالة الملك محمد الخامس، قدس الله روحه، الذي ضحى بحريته، وبكل غال ونفيس، وآثر المنفى السحيق، على التخلي عن الجهاد في سبيل استقلال المغرب، واسترجاع سيادته. فصار رمزاً خالداً للتضحية والإقدام، ومثالا نادراً لامتزاج حب الأوطان بالإيمان.
وأما الاعتزاز، فلما أبان عنه الشعب المغربي قاطبة، من تعلق صوفـي بملكه، والتحام وثيق بعرشه، ومن شهامة وفداء، في الدفاع عن قائده الملهم، الذي بادله إخلاصا بإخلاص، ووفاء بوفاء.
وإذ نستحضر هذه البطولات، فإننا نشيد بكل من اتخذوا من وطنية جدنا ووالدنا المنعمين، وأفراد أسرتنا الملكية الشريفة، قدوة لهم في الكفاح والنضال، حتى يستعيد بلدنا الغالي مكانته الحقة، كأمة عريقة موحدة؛ مجسدين الإيمان الراسخ لكافة المغاربة، بأن العرش بالشعب، والشعب بالعرش. أولئك الذين "صدقوا ما عاهدوا الله عليه. فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر. وما بدلوا تبديلا" صدق الله العظيم.
وإذا كانت المقاومة الباسلة التي أبانوا عنها، في مواجهة الاحتلال الأجنبي، قد تميزت بمثالية عالية في كفاحها، فكذلك كان أسلوب التسوية لقضية المغرب العادلة حضاريا. مما جعل من الحماية مجرد حدث عابر في تاريخ علاقاته الدولية، حتى إن دولها صارت في مقدمة البلدان، التي تجمعها بالمملكة علاقات شراكة استراتيجية.
إن ثورة الملك والشعب لم تكن منحصرة في حدث تاريخي، طواه الزمن، وإنما تحولت إلى مذهب متجدد في الحكم، ظل يطبع مسيرة بلادنا باستمرار.
فجدنا المقدس، جلالة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه، رائد هذه الثورة، جسده في تحرير البلاد، بكل نضالية وصمود، وفي وضع قطار المغرب على سكة الانبعاث والحداثة، وبناء الدولة-الوطنية، بروح الحكمة والتعبئة.
وقد واصل رفيقه في الكفاح، والدنا المنعم، جلالة الملك الحسن الثاني، أكرم الله مثواه، السير على هديه، بإرساء قواعد الملكية الدستورية الديمقراطية، واعتماد الليبرالية السياسية والاقتصادية، واستكمال الوحدة الترابية، في انفتاح على القيم الكونية.
وسيرا على نهجهما القويم، حرصنا، منذ تولينا أمانة قيادتك، على أن تظل ثورة الملك والشعب مشعة في ضمير الأمة، بإعطائها روحاً جديدة ونقلة نوعية. فعملنا، بكل تفان وإخلاص، على توطيد دولة الحق والمؤسسات، والمواطنة المسؤولة، والتحديث الاقتصادي، وتفعيل روح التضامن، وإعطاء الديمقراطية بعدها الاجتماعي والإنساني.
ولبلوغ هذه الأهداف، أطلقنا المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، لتعزيز ما تحقق من مكاسب سياسية، وذلك بالنهوض بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومحاربة الفوارق الطبقية والمجالية.
وتنفيذا لما أعلنا عنه في خطاب 18 ماي الأخير، بشأن تكليف الحكومة بالانكباب على بلورة هذه المبادرة، على المدى القريب، ضمن برامج مندمجة وملموسة، فقد تم قطع خطوات أولية على درب تجسيدها في مشروع خطة عمل متكاملة.
وكما حددنا ذلك في خطابنا الموجه إلى الأمة بشأنها، فإننا نجدد التأكيد على أن الدفعة الأولى لتفعيلها التي تتوخى الإدماج المجتمعي، ينبغي أن تقوم على معايير موضوعية، تراعي مستوى الاستعجال، والحاجة الملحة للمستهدفين بالتأهيل الاجتماعي، بإعطاء الأسبقية ل 360 من الجماعات القروية، و250 من الأحياء الحضرية، الأشد فقرا وتهميشا. فضلا عن الفئات والأشخاص في وضعية صعبة، الذين يعانون الإقصاء أو الإعاقة.
وإن حرصنا القوي على مصداقية هذه المبادرة، لا ينحصر في الالتزام بآماد تنفيذها، وبتمكينها من الموارد البشرية والمالية اللازمة. بل يشمل الجوهر الديمقراطي لتحقيقها، القائم على الإصغاء والتشاور مع القوى الحية للأمة، وانتهاج المقاربات التشاركية والتعاقدية، وإسهام النسيج الجمعوي المحلي، والسكان أنفسهم، في الانخراط الذاتي والجماعي في برامجها الملموسة. لذا، أصدرنا توجيهاتنا إلى وزيرنا الأول قصد استكمال الحكومة تدابير هذا المرتكز الأساسي لنجاعتها، سواء على الصعيد المركزي الحكومي-البرلماني، أو على مستوى المؤسسات والسلطات، والفعاليات الجهوية والإقليمية والمحلية بصفة خاصة، وبكيفية تعتمد اللامركزية وعدم التمركز، والقرب والتدبير الجيد، بشكل يجعل من هذه المبادرة الطموحة نموذجا للتنمية المندمجة. وسنتولى، على بركة الله وبعونه وتوفيقه، قريبا، إعطاء الانطلاقة الفعلية للشروع في إنجاز المشاريع التنموية الميدانية لدفعتها الأولى.
في ذكرى عيد ميلادنا ،نتوجه إليك شعبي الوفي ، وبالأخص إلى الأجيال الصاعدة، التي نشاطرها انشغالاتها الحقيقية، وطموحاتها المشروعة، مؤكدين لك بأن هذه المبادرة الجريئة، التي تعد ثورة جديدة للملك والشعب، تقتضي أن نخوضها، بروح الثقة والعزم والالتزام.
إنها المعركة التنموية، التي يتعين تعبئة كل الطاقات، لبلوغ أهدافها الحيوية، والعمل الجاد باستمرار، وفي كل وقت وحين، عبر سائر أرجاء المملكة، بحيث تعم مشاريعها كل مدينة وقرية ودوار، وبإسهام جميع المغاربة ولصالحهم، في الداخل والخارج.
وإنها لملحمة شاملة، تتكامل فيها المشاريع الاستراتيجية الكبرى، كطنجة - المتوسط، وإنجاز التجهيزات الأساسية، وتأهيل الموارد البشرية، مع البرامج الجهوية، وعمليات التنمية المحلية، الهادفة إلى تحفيز المبادرات الحرة والتشغيل الذاتي، وتعزيز التضامن الاجتماعي، وتشجيع الجهود السخية لمواطنينا الأعزاء، المقيمين بالخارج لتنمية وطنهم أو منطقتهم.
وإننا لندعو شبابنا الغالي، بما له من طاقات خلاقة وآفاق واعدة، وعبقرية مغربية، لحمل مشعل أسلافهم في الوطنية والتحرير. وذلك بانخراطهم الفاعل في أوراش التنمية، بروح المواطنة الملتزمة والإيجابية ، لجعل حاضرهم الطموح، سليل ذلك الماضي الأبي، مستلهمين من ثورة الملك والشعب خير محفز على تخليدها بالأعمال الميدانية الصالحة والمثمرة، بدل الشعارات الفارغة، والأوهام المضللة، والأقوال الجوفاء.
وستجدني، شعبي العزيز، في طليعة المجندين، لتحقيق الثورة التنموية الجديدة للملك والشعب. فخديمك الأول، قد عاهد نفسه، على ألا يدخر جهدا، من أجل السير بك قدما على درب ترسيخ البناء الجماعي، لوطن موحد حر وكريم، يعتز كل أبنائه بالانتماء إليه.
وإنه لميثاق راسخ يجب أن نأخذه على أنفسنا جميعا، لتحقيق المواطنة الكريمة والمسؤولة.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".