" الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
معالي الأمين العام للأمم المتحدة،
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
أود في البداية أن أنوه باستضافة الولايات المتحدة المكسيكية البلد الصديق لهذا الموءتمر الهام حول تمويل التنمية، الذي يكتسي دلالة خاصة اعتبارا لجسامة التحديات التي تواجهها الدول النامية.
إننا لم نجتمع لنتدارس أسباب ومظاهر التخلف التي تعانيها عدد من الشعوب النامية والاختلالات والفوارق المهولة التي جعلت عالمنا يعرف جزرا من الغنى والرفاه ومحيطات شاسعة من البوءس والأمية والأوبئة الفتاكة والعجز الصارخ في مختلف مجالات التنمية البشرية.
فهذا الواقع المرير نعرفه جميعا حق المعرفة وتم تشخيصه مرارا بما فيه الكفاية..
فالأولى بنا إذن أن ننكب على بحث سبل توفير الموارد الضرورية الكفيلة بتحقيق التنمية المستدمية وفي مقدمتها معضلة تمويل هذه التنمية التي خصصت لها من قبل عدة موءتمرات دولية واتخذت في شأنها توصيات أممية لم تتحق بعد على الوجه المطلوب.
وإن السياق العام الذي ينعقد فيه موءتمرنا والمطبوع بسيرورة بنيوية لا مناص منها نحو عولمة شمولية وكاسحة للأسواق والمبادلات وبالوقع الشديد للهزات العنيفة التي كانت الأحداث المأساوية للحادي عشر من شتنبر 2001 من أفظعها. إن هذا السياق يضفي على موضوع موءتمرنا أهمية استراتيجية ويلزمنا بالتعبير عن إرادة حازمة لجعل هذا المناخ الدولي بإشراقاته وإحباطاته خير محفز على تمويل التنمية التي تعد السبيل الأنجع لمحاربة الإقصاء واليأس والبوءس باعتبارها جميعا تشكل أكبر تهديد للأمن والسلام في العالم.
السيد الرئيس،
لقد سبق لوالدي المنعم جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله أن أبرز سنة 1994 بمناسبة انعقاد موءتمر الغات بمراكش ضرورة إقامة نظام للتدبير الجيد للشأن العام شمولي ومتعدد الأطراف وبخاصة من خلال تقوية التناسق بين السياسات الاقتصادية والمالية والتجارية الدولية وتعميق التنسيق بين أنشطة موءسسات "بروتن وودز" والمنظمة العالمية المحدثة للتجارة.
وإن من دواعي ابتهاجي اليوم أن أرى هذا النداء قد وجد صداه وأن موءتمرنا هذا يشرك مجموع الموءسسات متعددة الأطراف في النقاش الحالي والأعمال المستقبلية بشأن العلاقات الاقتصادية الدولية.
ولذلك يتعين علينا اغتنام هذه المناسبة لبلورة منظور استراتيجي واضح المعالم مدعم بإرادة جماعية حازمة ولوضع مخطط عمل متماسك لفائدة العالم النامي.
ولهذه الغاية فإننا ملزمون بأن نكفل لمقاربتنا مزايا البراغماتية والواقعية فضلا عن الطموح والإرادوية في آن واحد.
وإننا لنتطلع إلى أن يتخذ موءتمرنا هذا قرارات تاريخية لإدماج الدول النامية بصفة متزايدة ضمن مسلسل العولمة وتمكينها من أن تشارك مشاركة عادلة ومسؤولة في اتخاذ القرارات التي تهم البشرية كلها في إطار هندسة جديدة للمعاملات المالية والنقدية الدولية.
وفي هذا السياق فإن الدعم العمومي للتنمية يكتسي أهمية قصوى لخلق الظروف الملائمة وحشد القدرات الوطنية اللازمة لتنمية حثيثة.
ولذلكم فإن المغرب يدعو المجموعة الدولية لتعبئة طاقاتها من أجل مضاعفة حجم الدعم العمومي للتنمية بأسرع ما يمكن وبكيفية من شأنها أن تساهم في تحقيق أهداف قمة الألفية التي ترمي بصفة خاصة إلى تقليص الفقر إلى حدود النصف في أفق سنة 2015.
وإذا كان رفع الدعم العمومي للتنمية شرطا ضروريا لإدماج البلدان النامية في الاقتصاد العالمي بصورة دائمة فإنه يظل مع ذلك غير كاف لبلوغ الهدف المنشود. ذلكم أن هناك محاور أخرى أساسية وحاسمة.
وهكذا يجدر البحث عن حلول دائمة وفعالة للمديونية الخارجية للدول النامية التي يتجاوز حجم تسديدها مجموع موارد بعض هذه الدول بكثير.
ومن جهة اخرى فإن تفعيل تحرير التجارة الدولية كما تم ضبطه وتدبيره من قبل المنظمة العالمية للتجارة والذي تم إنجازه في عدة فضاءات جهوية ينبغي ان يتسم بالإنصاف وعدم التمييز لتحقيق الاستفادة المثلى للدول النامية من هذا التحرير وتمكينها من خلق موارد هامة لتنميتها الاقتصادية والاجتماعية.
وإن اجندة التنمية المنبثقة عن الموءتمر الوزاري للدوحة تعد مبعث أمل بالنسبة للدول النامية بما تنطوي عليه من بشائر ميلاد نظام تجاري عالمي متعدد الاطراف تستفيد منه كل الدول مهما كانت درجة التنمية التي حققتها.
وينبغي لهذا التوجه أن يجد اليوم تجسيده الملموس على أرض الواقع. كما أن التنويع الجغرافي والقطاعي للاستثمارات الخارجية المباشرة بتدابير تحفيزية سواء منها الوطنية أو الدولية يعد هو الآخر هدفا يتعين السعي إليه بحزم وعزم من أجل إيجاد معالجة فعلية لتفاقم الفوارق التنموية في العالم.
وينبغي أيضا استكمال هذا الإطار بتدابير مجددة كفيلة بتعبئة الموارد العالمية لفائدة العالم النامي. وفي هذا السياق فإن الجهود ينبغي أن تنصب على تقوية الشراكات بين القطاعين العام والخاص وعلى مضاعفة أنشطة التعاون بين المنظمات غير الحكومية الشمالية والجنوبية فضلا عن التدبير المنصف للثروات المشتركة للإنسانية.
السيد الرئيس
إن إفريقيا تواجه صعوبات جمة وتستحق اهتماما خاصا وعناية أولوية. فثلاثة وثلاثون بلدا افريقيا تعد اليوم من البلدان الأقل تقدما في العالم.
وما تزال قارتنا تعاني من استمرار عدة نزاعات ومن تفاقم التوترات ومن تعرض سكانها المتزايد لعدة آفات اجتماعية مستفحلة وفتاكة ومآس إنسانية.
ولمواجهة هذه الأوضاع الباعثة على الانشغال الشديد فقد اتخذت الدول الإفريقية بدرجات متفاوتة تدابير جريئة من أجل حسن تدبيرها للشأن العام وترسيخ دولة القانون وتحرير اقتصادياتها.
وبموازاة ذلك فقد اعتمدت قارتنا مخططا متناسقا وفعليا من أجل انطلاقاتها التنموية في إطار الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا «نيباد».
إن هذه المبادرة تعكس قبل كل شيء إرادة بلداننا في التحكم في مسار تنميتها على الأصعدة الوطنية والجهوية والقارية.
وهي تستهدف كذلك وضع إفريقيا على درب التنمية المستديمة من خلال شراكة متجددة مع باقي مكونات المجتمع الدولي.
وتتطلب هذه الاستراتيجية التي اعتمدتها قارتنا بنفسها ومن أجلها مجهودا منظما مثلما تتطلب من المجموعة الدولية عناية متواصلة. ذلكم أن المجهود المنظم من قبل إفريقيا من شأنه أن يوضح الروءية بصورة أكثر جلاء لمختلف شركائها وللموءسسات الدولية والجهوية وكذا للفاعلين الاقتصاديين سواء كانوا أفارقة أو أجانب عموميين أو خواص.
وأما العناية الدولية المتواصلة فإنها تعد ضرورية لأن المبادرات الافريقية لا يمكن أن تتحقق دون سند فعلي وقوي ودوءوب من قبل الموءسسات الدولية المتخصصة في ميادين التجارة والتنمية والمالية بصفة خاصة.
ومن هذا المنطلق ما فتئت المملكة المغربية توطد علاقاتها الثنائية مع هذه البلدان الشقيقة وتعمل بدون توان من أجل تجسيد مجهودات الاندماج الجهوي في إفريقيا وبخاصة عبر تفعيل اتحاد المغرب العربي وابرام اتفاق للتبادل الحر بين المغرب والمجموعة الاقتصادية والنقدية لافريقيا الغربية.
كما أن المملكة المغربية قد أقدمت على إلغاء ديونها المترتبة على البلدان الافريقية الأقل تقدما وعلى حذف كل حقوق التعريفة الجمركية على صادرات هذه البلدان الشقيقة إلى السوق المغربية.
ولا يفوتني أن أغتنم هذه المناسبة لأطرح من جديد مقترح بلادي الرامي إلى أن تعتمد منظمة الامم المتحدة ءالية دائمة ورفيعة المستوى تتولى تفعيل قرارات المجموعة الدولية المتخذة لفائدة افريقيا.
السيد الرئيس
ان هذا الموءتمر يتيح لنا جميعا الفرصة لانبثاق جيل جديد لديبلوماسية متعددة الأطراف من شأنها أن تبشر كما أبرزت ذلك خلال قمة الألفية بانبثاق مواطنة كونية.
وإنه لحري بنا في هذا السياق أن نعمل على إنعاش تضامن شمال»جنوب من أجل أن نرفع كلنا التحديات المصيرية والشمولية التي تواجهنا ونمكن الأعضاء الأكثر هشاشة وخصاصا في المجموعة الدولية من كسب رهان التنمية المستديمة ومحاربة الفقر.
وإننا لنتطلع إلى أن ينعقد في أقرب الآجال موءتمر لمتابعة أعمال هذه القمة حتى نتمكن من تقييم الجهود المبذولة سواء على المستوى الوطني أو على المستوى الدولي لبلورة الالتزامات التي أخذناها على عاتقنا وأن نتخذ التدابير التكميلية اللازمة لمقاومة جميع أشكال الإقصاء والتهميش حيثما كانت.
وإنني إذ أشكركم على حسن إصغائكم أتمنى لموءتمرنا هذا كامل التوفيق والنجاح.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".