"الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
حجاجنا الميامين،
الحمد لله الذي جعل البيت العتيق مهوى أفئدة المؤمنين والمؤمنات، وجعل الحج إليه سبيلا لمحو السيئات، وجلب الحسنات، والقائل يخاطب عبده ونبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق، ليشهدوا منافع لهم، ويذكروا اسم الله في أيام معلومات". نحمده تعالى على ما يسر لكم من أسباب أداء هذا الركن الركين من قواعد الإسلام الكبرى، وهون عليكم مفارقة الأهل والأقارب والمشاغل الدنيوية، فهنيئا لكم على هذا الاجتباء العظيم.
حجاجنا الميامين،
لقد ثبت في الكتاب والسنة أن العبادة كلما عظمت مشقتها وثقلت شروطها عظم أجرها.
ولذلكم كان الحج إلى بيت الله الحرام عبادة فيها من الأجر والثواب، فضلا عن غفران كل ما قبلها من الذنوب والخطايا، ما هو حقيق بأن يكون غاية كل مسلم في دينه ودنياه. فقد صح عن جدنا صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه". كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".
إنه إذن لأجر عظيم، قوامه محو الذنوب كلها، غير أنه متوقف على شرطين أساسين: هما الصبر على المشاق، والعلم الضروري لأداء المناسك.
وحرصا من جلالتنا على تيسير الظروف المواتية للقيام بالحج أحسن قيام، فقد أمرنا وزيرنا في الأوقاف والشؤون الإسلامية باتخاذ ما يلزم لتوفير الصحبة العلمية والإرشادية لكافة حجاجنا الميامين. وأصدرنا تعليماتنا أن يبدأ التأطير للحجاج من رعايانا الأوفياء وهم في أرض الوطن. كما كلفنا اللجنة الملكية للحج بالحرص على توفير التأطير الإداري والصحي الضافيين في بلدنا وفي الأراضي المقدسة.
حجاجنا الميامين،
إن عبادة الحج فيها شعائر لا يتم القيام بها، علاوة على زمنها المعلوم وأماكنها المقدسة، إلا على الصورة التي أوجبها الإسلام، وحددتها السنة النبوية الشريفة. وإن عبادة هذا شأنها لحرية بأن تحرصوا فيها على أدائها على الوجه الشرعي المطلوب.
فاعملوا، رعاكم الله، على احترام توجيهات المؤطرين والمنظمين، وعلى الانضباط وفق تعليماتهم، والتعاون مع سلطات ومصالح أشقائنا أهل البلد المضيفين، برئاسة أخينا الأعز الأكرم خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز، حفظه الله، الذي يضيف في تنظيم الحج كل عام من الوسائل ومن الترتيبات ما يحمده ضيوف الرحمان، ويرضي الله الذي تؤدى لعبادته الأركان.
فكونوا - رعاكم الله، ممن لا يتسبب في بطلان العمل بالغفلة عن هذه الشروط التي لا تتم عبادة الحج إلا بمراعاتها.
حجاجنا الميامين،
لقد سمى الله جل وعلا في كتابه مكة المكرمة أم القرى في قوله سبحانه مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم " لتنذر أم القرى ومن حولها". فلا غرو أن تكون مهوى أفئدة المؤمنين والمؤمنات، للفوز بثوابها والغنم بأجرها، ولا سيما من أخلص منهم في القيام بها واستجاب للأذان والنداء، مغتبطا بالاصطفاء والاجتباء، دون أن تنسوا أن من مزاياها تحقيق التعارف بين المسلمين من شتى الأقطار، والتواصل بينهم فيما يرضي الله ورسوله.
فكونوا، رعاكم الله، نعم السفراء لبلدكم. وليكن سلوككم مدعاة لمحبة بلدكم، وهو أهل لكل محبة، حري بكل تقدير، وبتبني قضاياه وآماله، ممتثلين في ذلكم لأمر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "بشروا ولا تنفروا".
حجاجنا الميامين،
إن رحلتكم هذه فرصة نادرة للعبادة، والإقبال على الله والتعرض لنفحاته، وهي فرصة لا تتأتى للأكثرين، إن تأتت، إلا مرة واحدة في العمر.
فالتشمير التشمير بعلم وتؤدة وتيسير، ومن فاته علم شيء من أمور هذه العبادة فليسأل عنه العلماء المرافقين للحجاج، فإنما شفاء الجهل السؤال، كما قال جدنا صلى الله عليه وسلم. واغنموا لأنفسكم وأهليكم وملككم وشعبكم ووطنكم، وادعوا الله مخلصين له الدعاء أن ييسر أمورنا كلها، وأن يصلح شؤوننا كافتها، وأن يحفظ سبحانه ولي عهدنا، وينبته نباتا حسنا، وأن يمطر شآبيب رحمته ورضوانه على والدنا المنعم جلالة الملك الحسن الثاني، وجدنا المغفور له جلالة الملك محمد الخامس، وكافة شهداء بلدنا الكريم.
أسأل الله العظيم أن يتقبل منكم طاعتكم ونسككم، وأن يشملكم برعايته وحفظه ذاهبين وحاجين وآيبين. كما أسأله سبحانه أن يعيدكم إلى أهليكم وإلى وطنكم مشمولين بالمغفرة والرضوان والثواب. إنه تعالى ولي ذلك وقادر عليه.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.